الخلوة: مكان بعيد عن الناس، يختلي فيه السالكُ للتفرغ للعبادة والذكر والفكر. فهي ابتعادٌ عن الخلق، وقربٌ من الخالق (عز وجل).
وأسرار الخلوة أجمعُ لقلبِ المُريد وأعونُ له على التفرغ لذكر الله، وأبعدُ عن الرياء، وأيضا فإن الخلوة تُبعدُ المُريد عن مواطنِ اللغوّ واللغَط، وتهيئهُ لقبول الواردات الإِلهية والتجَليات الربّانية.
وكان العارفون بالله تعالى يدخلون هذه الخلوات لتطهير القلب من السوى. ولا يخرجون من هذه الخلوة إلا على خير كبير.
أدلة مشروعية الخلوة
- الكتاب والسنة: قال الله تعالى: “واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً” [المزمل: 8]، والتبتل هو الانقطاع إلى الله. كما اعتكف النبي ﷺ في المسجد ليخلو بنفسه لعبادة الله.
- أفعال الصحابة والسلف: كانوا يعتزلون الناس أحيانًا للعبادة والتأمل.
- الحكمة في العزلة: قال العلماء إن العزلة والخلوة من وسائل تزكية النفس، وإصلاح القلب، والانقطاع عن الدنيا إلى الله.
قال نجم الدين كبرى: بقوله تعالى: ﴿وإِذِ اعتزلتُمُوهُم ومَا يَعبُدُونَ إِلا الله فأووا إِلى الكهف﴾ [الكهف: 16] يشير إلى أن التائب الصادق، والطالب المحق من اعتزل عن قومه وترك أهل صحبته، وقطع عن إخوانه شؤونه واعتقد إلا يعبد إلا الله، ولا يطلب إلا الله، ولا يحب إلا الله، يعرض عما سوى الله، متوكلا على الله، مُنفرا إلى الله من غير الله، ثم يأوي إلى كهف الخلوة متمسكا بذيل إرادة شيخ كامل مكمل واصل موصل؛ ليربيه ويزيد في هدايته ويربط على قلبه بقول الولاية وقوة الرعاية، كما كان حال أصحاب الكهف، ولكنهم كانوا مجذوبين من الله مربوبين بربهم وذلك من النوادر، ولا حكم للنادر هذا من قدرة الله أن يهدي جماعة إلى الإيمان بلا واسطة رسول أو نبي ويجذبهم بجذبات العناية إلى مقامات القرب ومحل الأولياء بلا شيخ مرشد وهاد مربي، ومن سنته تعالى أن يهدي عباده بالأنبياء والرسل وبخلافتهم ونيابتهم بالعلماء الراسخين والمشايخ المقتدين. من أسرار الخلوة
ففي قوله: ﴿فأووا إِلى الكهف﴾ [الكهف: 16] إشارة إلى الالتجاء بالحق والتمسك بالمشايخ المكملين يعني بهذه الطريقة ﴿يَنشر لكم ربكم من رحمَتِهِ﴾ [الكهف: 16] أي: يخصصكم برحمته الخاصة المضافة إلى نفسه وهو أن يجذبهم بجذبات العناية ويدخلهم في عالم الصفات ليتخلقوا بأخلاقه ويتصفوا بصفاته كقوله تعالى: ﴿يدخِلُ مَن يَشآءُ في رحمَتِهِ﴾ [الشورى: 8] وله تعالى رحمة عامة مشتركة بين المؤمن والكافر والجن والإنس والحيوان. من أسرار الخلوة
أنواع الخلوة:
الخلوة عند الصوفية نوعان:
- خلوة عامة: ينفرد بها المريد ليتفرغ لذكر الله تعالى بأية صيغة كانت، أو لتلاوة القرآن الكريم أو محاسبة نفسه، أو ليتفكر في خلق السماوات والأرض.
- خلوة خاصة: يقصد منها الوصول إلى مراتب الإحسان والتحقق بمدارج المعرفة، وهذه لا تكون إلا بإشراف مرشد مأذون يلقن المريد ذكرا معينا ويكون على صلة دائمة به ليزيل عنه الشكوك ويدفعه إلى آفاق المعرفة ويرفع عنه الحجب والأوهام والوساوس، وينقله من الكون إلى المكون[1].
أنواع الخلوة من حيث أحوال الناس:
يختلف حال الخلوة باختلاف أحوال الناس، وباختلاف ما يراه المرشد الطبيب الرباني ملائما لكل سالك لاختلاف الظروف، والمناسبات، والقابليات وغيرها، وتنقسم بحسب هذا الاعتبار إلى:
1-الخلوة الكاملة: انعزال كامل عن الخلق، والخلوة بالحق، والتفرغ للعبادة، بحسب المدة التي يقررها الشيخ على المريد.
- الخلوة الجزئية: هي الانعزال للعبادة يوميا في مكان معين، لوقت معين ولو بعض ساعة، بعد الفراغ من قضاء مطالب الحياة اليومية المعتادة.
وشروطها:
- حفظ الجوارح والقلب تماما عن محارم الله أثناء الوجود مع الناس. من أسرار الخلوة
- الإسراع بالتوبة لمجرد الشك في مقارفة خلاف الأولى، مع الانشغال الدائم بالذكر المختار أيّا كان.
وأفضل الأوقات لهذا الخلوة في الليل، فالإخلاص فيها آكد، وهو وقت التجليات، ينال فيه السالك ما لا يناله في النهار، قال العلامة الألوسي: فإن الليل وقت الخلوة والاختصاص ومجالسة الملوك، ولا يكاد يدعو الملك لحضرته ليلا إلا من هو خاص عنده، وقد أكرم الله تعالى فيه قوما من أنبيائه عليهم السلام بأنواع الكرامات، وهو كالأصل للنهار، وأيضا لاهتداء فيه للمقصد أبلغ من الاهتداء في النهار، وأيضا قالوا: إن المسافر يقطع في الليل ما لا يقطع في النهار، ومن هنا جاء عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوي بالليل ما لا تطوي بالنهار، وأيضا أسرى به ليلا ليكون ما يعرج إليه من عالم النور المحض أبعد عن الشبه بما يعرج منه من عالم الظلمة وذلك أبلغ في الإعجاب[2].
- خلوة الجلوة: هي استمرار انشغال القلب بالذكر مع القيام بمطالب الحياة المعتادة، مع عدم مغايرة شيء منها (قلب مع الخالق، وجسم مع المخلوق) حتى يكون (الجمع في جنانه، والفرق في لسانه).
وشروطها:
- حفظ الجوارح أثناء الوجود مع الناس.
- انشغال القلب بربه، ذكرا وتفكرا، مراقبا وشهودا.
- تصحيح النية في أن تكون جميع أعماله لله تعالى.
شروط الخلوة بالتفصيل:
- أن يجدد النية ويصححها، وينوي دخول الخلوة لوجه الله تعالى، وليطهره الله تعالى من السوى، وللوصل إلى مرضاة ربه تعالى، لا من أجل كرامة، ولا كشف، ولا غيرها.
- أن تكون بإذن الشيخ المربي، فهو كالطبيب الذي يأمر المريض بالامتناع عن بعض الأشياء التي تؤخر من علاج المريض، فالشيخ هو الذي يعلم الوقت المناسب لدخول الخلوة، وهو الذي يعلم المدة الكافية لكل سالك.
يرى شيخنا الشيخ حسين الحلَّاب إن الخلوة لا تكون إلا بإذن شيخ عارف بالله، وإلا تسلطت الشياطين على السالك في خلوته، وأخذت بيده، وهو يظن أنه يحسن صنعا. ولقد روي أن سيدنا أبا مدين الغوث نهى أحد مريديه من دخول الخلوة. وكان للمريد شهوة نفس في دخول الخلوة، لما يسمع عن تحقق الذين دخلوا في الخلوة بالمكاشفات وغيرها. فألح المريد على شيخه أن يأذن له بدخول الخلوة. وأبو مدين الغوث ينهاه عن ذلك. فترك المريد الشيخ أبا مدين وذهب إلى حال سبيله. وبعد عدة شهور رأى سيدنا أبو مدين الغوث مريده في السوق فقال له. أين أنت يا فلان؟ لم نرك منذ فترة. قال المريد: دخلت الخلوة يا سيدي وتفرغت للذكر والعبادة، وأكرمني الله تعالى برؤية سيدنا الخضر u كل يوم. ويصحبني معه إلى جنة عظيمة. فقال أبو مدين خذني معك اليوم لأتشرف برؤية سيدنا الخضر . فذهب معه. وبعد صلاة الصبح، وهم يجلسون في خلوة المريد انفتح جدار الخلوة وإذا برجل يلبس عمامة خضراء، فخرجا معه فدخلوا في جنة فيها ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت. فقال أبو مدين الغوث: لا إله إلا الله. فانقلب الرجل إلى أبشع صورة، وانقلبت الجنة إلى مزبلة وفيها جيف ميتة. وظهر للمريد حقيقة ما يرى. وأن الشياطين قد تلاعبوا به. فبدأ بالبكاء وطلب الصفح من سيدنا أبي مدين الغوث. فصفح عنه، ورده إلى الطريق الصحيح.
- ألا يعتقد في دخوله الخلوة أنه سيرتاح من الخلق، ففي هذا تزكية للنفس واتهام للخلق، بل يعتقد بأنه مريض يريد أن يتعالج، وانعزل عن الخلق حتى لا يتأذى الخلق به.
- أن يحافظ على صلاة الجمعة وصلاة الجماعة، لذلك كان الصالحون يدخلون الخلوات في المساجد، ليكون ذلك ميسرا لهم، وقد كان الصالحون يأتون من مشارق الأرض ومغربها لدخول الخلوات في الحضرة القادرية في بغداد؛ ليتسنى لهم حضور الجمعة والجماعات.
- إذا خرج للوضوء والصلاة يخرج مطرقا رأسه إلى الأرض غير ناظر إلى أحد.
- أن يداوم على الصوم، وقيام الليل، ويكون نومه غلبة، ولا يفتر عن ذكر الله تعالى.
لا يتوقف مع شيء فتح الله تعالى به عليه، لأن الوقوف مع الأكوان حجاب عظيم
مفهوم الخلوة في الإسلام
الخلوة في اللغة تعني الانفراد والابتعاد عن الناس، أما في الاصطلاح الشرعي، فهي الانعزال المؤقت عن الدنيا ومشاغلها للتفرغ للعبادة والتأمل. وقد مارس الأنبياء والأولياء الخلوة لتحقيق صفاء القلب وتقوية العلاقة مع الله. من أسرار الخلوة
أهمية الخلوة
- تقوية الصلة بالله: تساعد الخلوة العبد على التفرغ للعبادة والدعاء، مما يعزز القرب من الله.
- التأمل والتفكر: تتيح للمسلم فرصة للتفكر في خلق الله، وتصحيح مساره في الحياة.
- تصفية القلب من الشواغل: تساعد الخلوة على التخلص من ضجيج الدنيا والالتفات لما هو أهم.
- تقوية الإرادة الروحية: من خلال العزلة المؤقتة، يتمكن الإنسان من ضبط نفسه، والابتعاد عن المعاصي.
نموذج من حياة النبي ﷺ
كان النبي ﷺ يختلي في غار حراء قبل البعثة، حيث كان يتأمل ويتدبر، وكان ذلك من أسباب تهيئته للنزول الوحي. وهذا يدل على أن الخلوة ليست عزلة سلبية، بل هي وسيلة للارتقاء الروحي.
ثمرات الخلوة
- تصفية القلب: حيث تتيح الخلوة فرصة للإنسان لمحاسبة نفسه والتأمل في حاله.
- الانقطاع إلى الله: فهي وقت للتضرع والدعاء وذكر الله بعيدًا عن.
- زيادة الإخلاص: حيث يخلو العبد بربه دون رياء. من أسرار الخلوة
- صفاء الفكر: فيستطيع الإنسان أن يتدبر أمور دينه ودنياه.
- تقوية العلاقة بالله: حيث ينقطع الإنسان عن الخلق ويتوجه إلى الخالق.
ضوابط الخلوة الشرعية
- أن لا تؤدي إلى تعطيل الفرائض: فلا يجوز أن تؤدي العزلة إلى ترك الجمعة والجماعة أو التقصير في الحقوق.
- أن تكون بقدر الحاجة: فليس المقصود الانقطاع التام عن المجتمع.
- أن يكون الهدف منها التقرب إلى الله وليس العزلة المطلقة: فقد قال النبي ﷺ: “المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم”.
أولًا: أنواع الخلوة في الإسلام
1. الخلوة المشروعة
وهي الخلوة التي يعتزل فيها الإنسان الناس لفترة مؤقتة بنية التقرب من الله، سواء كان ذلك بالصلاة، أو الذكر، أو التلاوة، أو التفكر في خلق الله، أو مراجعة النفس. ومن أمثلتها:
- الاعتكاف في المسجد: وهو صورة من صور الخلوة الشرعية، حيث يعتزل المسلم الدنيا في العشر الأواخر من رمضان ليجتهد في العبادة.
- التحنث في الخلوات: كما كان النبي ﷺ يختلي في غار حراء قبل البعثة. من أسرار الخلوة
- الخلوة للعلم والتدبر: حيث يأخذ المسلم وقتًا لنفسه بعيدًا عن الضوضاء للقراءة والتأمل في القرآن والسنة.
2. الخلوة المحرمة
وهي الخلوة التي ينعزل فيها الإنسان بطرق تخالف الشرع، كمن يعتزل الجماعة بشكل دائم ويدعو إلى العزلة المطلقة، أو من ينفرد بنفسه في خلوة تؤدي إلى الفساد والانحراف، كمن يخلو ليخطط للشر أو ليمارس المنكرات بعيدًا عن أعين الناس. من أسرار الخلوة
3. الخلوة المذمومة
وهي الخلوة التي تضر الإنسان ولا تحقق له أي منفعة روحية، كمن ينقطع عن الحياة ويبتعد عن الناس دون سبب وجيه، مما يؤدي إلى العزلة النفسية أو الاكتئاب. الإسلام دين الوسطية، فلا يدعو إلى الانعزال التام عن المجتمع، بل يأمر بالتوازن بين العبادة والعمل وبين الخلوة والاختلاط بالناس.
ثانيًا: شروط الخلوة النافعة في الإسلام
لكي تكون الخلوة نافعة ومثمرة، لا بد من توفر عدة شروط، منها:
1. أن تكون نيتها صالحة وخالصة لله تعالى
فمن يختلي بنفسه ليصلح قلبه ويزيد إيمانه، يكون في عبادة عظيمة. أما من يعتزل بدافع الكسل أو الهروب من المسؤوليات، فهذه خلوة غير محمودة. من أسرار الخلوة
2. أن تكون لفترة معتدلة ومتزنة
الإسلام لا يدعو إلى العزلة المطلقة، بل إلى التوازن. قال النبي (صلى الله عليه وسلم): “المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم” (رواه الترمذي). من أسرار الخلوة
3. أن تكون مقرونة بالعبادة والطاعة
الخلوة لا تعني مجرد الجلوس في عزلة، بل يجب أن يكون فيها ذكر، وصلاة، وقراءة للقرآن، وتأمل في آيات الله.
4. ألا تكون على حساب الحقوق والواجبات
فالزوج مسؤول عن أسرته، والعامل مسؤول عن وظيفته، والطالب مسؤول عن دراسته. فلا يجوز للشخص أن ينشغل بالخلوة ويهمل واجباته. من أسرار الخلوة
5. أن تكون وسيلة لتهذيب النفس لا لهدمها
الخلوة يجب أن تكون وسيلة لتقوية العلاقة بالله، وليس وسيلة للهروب من الواقع أو الغرق في الأفكار السلبية. من أسرار الخلوة
أسرار الخلوة

ثالثًا: آثار الخلوة الإيجابية على المسلم
إذا التزم الإنسان بالخلوة المشروعة بشروطها، فإنه سيجني فوائد عظيمة منها:
- زيادة الإيمان والتقوى: لأن الخلوة تساعد على التفكر في عظمة الله وزيادة الخشوع في العبادة.
- القدرة على محاسبة النفس: فالخلوة فرصة للإنسان ليقيم أفعاله وأخطائه، ويتوب إلى الله.
- الصفاء الذهني والراحة النفسية: إذ تساعد على التخلص من الضغوط الحياتية والضجيج الخارجي.
- تنمية العلم والفكر: حيث تتيح الخلوة فرصة لقراءة الكتب النافعة والتأمل في أمور الدين والدنيا.
- زيادة الإخلاص: لأن الإنسان حين يكون وحده، يكون أصدق مع نفسه ومع الله، مما يعزز الإخلاص في العبادة.
واقرأ أيضًا عن روحانيات أولياء الله الصالحين