أهمية الشيخ المربي للسالك في طريقه إلى الحق عز وجل وصفاته
اتخاذ الشيخ المربي ضرورة لا غنى عنها لمن أراد الوصول إلى الله تعالى، والتحقق بمقامات الدين الثلاث: الإسلام، والإيمان، والإحسان. فكما أن النفس ظلمة لا تستنير إلا بشمس الهداية، والقلب أرض لا تُزهر إلا بغيث العناية، فإن السالك في طريق الله لا يستغني عن مرشد يأخذ بيده، ويضع قدمه في مواضع السلامة، حتى لا تزلّ به القدم في مزالق الهوى، ولا تأخذه رياح الفتن بعيدًا عن معارج القرب.
الشيخ المربي هو المعلم الذي يعين الطالب على الترقي في مدارج العلم، وهو الطبيب الذي يداوي أمراض النفس، ويكشف علل القلب، ويعالج علله الخفية قبل أن تستفحل فتقطع الطريق على صاحبها. وهو السراج الذي ينير للسالك درب السير إلى الله، في طريق مليء بالظلمات، محفوف بالشهوات، تحيط به العواصف الفكرية والفتن التي قد تضل المريد عن سواء السبيل، كأشواك مغروسة في كل خطوة، لا ينجو منها إلا من سار بنورٍ يهديه.
والطريق إلى الله طريق غامض على العقول، لا يُدرك بالنظر المجرد، ولا تُهتدى معالمه بالتخمين. فمن رام السير وحده، وقع في الحيرة، أو استولت عليه الأوهام، أو أضله الشيطان عن سواء السبيل. وكما أن المرء لا يمكنه أن يتعلم علوم الشريعة بغير معلم، فكذلك لا يمكنه أن يتهذب، ويتطهر، ويرتقي إلى مراتب الإحسان، بغير شيخ تكتحل بصيرته بنور المعرفة، وتفيض روحه من معين اليقين.
فمن وجَد شيخًا كاملًا، فقد وجَد كنزًا، ومن صحبه، فقد أمسك بيدٍ تمتد به إلى مقامات النور، وتنقذه من مهاوي الضلال.
من سلك الطريق دون شيخ عارف بالله تعالى ضل وهلك، لأن الطريق إلى الله ليس مجرد درب نظري يُقطع بالفكر أو المطالعة، بل هو رحلة روحية تحتاج إلى نور يُضيء ظلمات النفس، ودليل يأخذ بيد السالك ليقيه العثرات، ويدفع عنه الأخطار.
فالشيخ هو مرشد القلب ونور الروح، يعين المريد على أن يطهر قلبه، ويصلح نيته، ويؤهله لتجاوز المطبات الروحية، ويجنبه الوقوع في الأهواء المهلكة.
ليس كل من ادعى المشيخة أهلاً لأن يكون مربياً، فالشيخ المربي ليس مجرد عالم بالشريعة أو متقن للعلوم الظاهرة، بل هو طبيب للقلوب، سَبَرَ أغوار النفس، وذاق مرارة المجاهدة، وذاق حلاوة القرب، وتحقق بأنوار المعرفة. فهو لا يُرشد بكلام نظري، وإنما بنور تحقق به، وببركة صحبته ينال المريد من أنوار الهداية.
يرى الشيخ حسين الحلَّاب رحمه الله إن من أراد الوصول إلى الله تعالى من أقرب الطرق وأسرعها فلا بد أن يكون له شيخ عارف بالله، يعينه في سيره، ويبين له مخبئات الطريق، فالسالك لا يستطيع أن يصل إلى غايته في فناءٍ كامل إلا إذا كان تحت إشراف شيخ عارفٍ بالله، يأخذ بيده، ويوجهه إلى الطريق المستقيم، ويكشف له عن العوائق والفتن التي قد تضلّه.
وقال : الغالب في هذا الطريق أن العبد لا يصل إلى حضرات القرب والولاية إلا بصحبة العارفين بالله، إلا من أكرمه الله تعالى بجذبة نقله بها إلى تلك الحضرات دون صحبة العارفين. وهذا في الغالب لا يصلح للتربية والتسليك.
أما الترقي ودخول الحضرات فلا يكون إلا بصحبة العارفين بالله تعالى، والترقي في مقامات النفس السبعة. لذلك أرسل الله تعالى الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وجعل لهم نوّابا وارثين. وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا) [الكهف:17] وبمفهوم المخالفة، فمن أراد الله هدايته هيأ له الولي المرشد الذي يأخذ بيده إلى حضرات القدس.
صفات الشيخ المربي:
1- أن يكون مأذونًا بالتربية والتسليك من شيخ عارف بالله تعالى. فإن وصل السالك إلى درجة المشيخة، وجمع بين العلم والمعرفة، وصار من العارفين بالله تعالى، فإنه ينظر بنور الله فتنكشف أمامه الحقائق، فيحمل نورًا على نور. وإن لم يصل إلى هذه الدرجة ولكنه مأذون من شيخ عارف بالله تعالى، فهو موفق مسدد، ممدود من النبي صلى الله عليه وسلم والأولياء الصالحين. وأما من لم يكن مأذونًا، فهو في ضلال، يضل ويضل.
2- أن يكون عالمًا بعلوم الشريعة، متحققًا بها قولًا وفعلا. وهذا من أهم الشروط عند شيخنا الشيخ حسين الحلَّاب رضي الله عنه؛ لأنه إن لم يكن الشيخ حاملًا لسراج الشريعة، كيف يُنير الطريق للمريدين؟! فالشريعة هي الأساس الذي يُبنى عليه كل سلوك، وأول خطوة نحو الحقيقة.
3- أن يكون عاملاً بعلمه، وإلا فمثله كمثل الحمار يحمل أسفارًا، لا يُرجى أن يُثمر زرعه. فالعلم لا قيمة له إن لم يكن مصحوبًا بالعمل، والعمل هو ثمرة العلم وأثره في الواقع.
4- أن يكون متخلقا بالأخلاق المحمدية. كـ(الرحمة، والعفو، والجود، والصبر، والستر…..إلى غير ذلك) حتى يجود بها على السالكين وعلى الخلق، فيعفو عنهم، ويتجاوز عن مخطئهم، ليجمع القلوب عليه، فينتفعون به، قال الله تعالى(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران:159]، وقال تعالى في آية أخرى (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل:125].
5- أن يكون خادما للفقراء والسالكين، محبا لهم، قائما على قضاء حوائجهم، والسهر على صلاحهم، والدعاء لهم. فمن لا يَخدم المريدين والفقراء، ويُفني نفسه في خدمتهم، ليس جديرًا بأن يقودهم إلى الله تعالى.
قال شيخنا الشيخ حسين الحلَّاب رحمه الله: الشيخ الحقيقي هو الذي يخدم المريدين والسالكين؛ لأن شيخنا السلطان عبد القادر الجيلاني رحمه الله كان من أحب ألقابه إليه “خادم الفقراء”.
6- أن لا يمنَّ على السالكين بجهده وتربيته وتعليمه لهم؛ فإن الفضل لله تعالى إذ جمع السالكين والقلوب عليه، ووفقه لكي يكون مرشدا لهم.
قال شيخنا الشيخ يسري جبر الحسني رحمه الله: الشيخ المربي له ثلاثة شروط، إذا وجدها السالك به فليتمسك به، فهذا هو المراد:
الأول: معروف بالصلاح في أقواله وأفعاله واخلاقه.
الثاني: أن يشهد له أهل عصره من أهل السنة والجماعة.
الثالث: أن يكون له إسناد متصل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأقصد بالإسناد هنا الإسناد الروحاني، فقد تربى على شيخ، وشيخه تربى على شيخ حتى يصل إلى رسول الله ، فيكون السالك قد أخذ عمن أخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن علاماته إذا لقيته أن يرفع حالَك حالُهُ، ويدلك على الله مقالُه.
حدثنا شيخنا الشيخ حسين الحلَّاب رحمه الله قال: قال والدي الشيخ محمد الحلَّاب رحمه الله وهو يصف الشيخ العارف الذي يُلقى إليه بالقياد: كل شيخ لا يعلم كم مرة يتقلب مريده على فراشه ليلا فليس بشيخ.

أهمية الشيخ المربي للسالك في طريقه إلى الحق عز وجل وصفاته
أهمية الشيخ المربي للسالك في طريقه إلى الحق عز وجل وصفاته

وقال رحمه الله : الشيخ الحقيقي كالشمس، كلما ارتفعت في كبد السماء، ازداد نورها وحرارتها. كذلك، كلما بَعُدَ المريد عن الشيخ وغاب عنه، كان نظر الشيخ عليه أقوى، ومدده لا ينقطع. فالشيخ، مهما بعدت المسافات بينه وبين مريديه، يبقى في حالة اتصال روحي معهم، يمنحهم من نوره ويرشدهم بحكمته، فلا غياب للمدد ما دام الشيخ مُرشدًا صادقًا.

بقلم: فريق عمل موقع الشيخ خلدون
https://khaldoneg.com

error: Content is protected !!