من الـ خواطر في الجمال المحمدي: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:
“كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحنّ الجذع، فأتاه فمسح يده عليه.”

لمسة النبي ﷺ التي هدّأت الجذع

“فأتاه فمسح يده عليه…” هنا، لم يتركه الحبيب صلى الله عليه وسلم في اضطرابه، لم يُعرض عنه وهو يئنّ، بل اقترب، مدّ يده الشريفة، مسح عليه براحته النورانية، فإذا بالجذع يهدأ، يسكن، يستكين… كما يسكن الطفل حين يضمه أبوه، كما تستريح الروح حين تعود إلى موطنها الأول.

دهشة الصحابة أمام المشهد الفريد

رأى الصحابة أمرًا لم تره البشرية من قبل: جماد يبكي بحرقة، ومكان يهتزّ هيبةً وحبًّا، ورسول الله ﷺ يواسي الجذع كأنّه طفل فقد أمّه.

كيف تحمّل الصحابة هذا المشهد؟

لعلّهم أدركوا أنّ الوجود كلّه يهيم بالنبي ﷺ، وأنه حتى الجمادات تعقل ما لا يعقل البشر الغافلون.

النبي ﷺ يطمئن الصحابة

حين اهتزّ المسجد، وخار الجذع كخوار الثور، وأخذ ينوح بحرقة، لم يكن هذا مجرد مشهدٍ عابر. كان حدثًا يزلزل الأرواح قبل أن يزلزل المكان.

لماذا أسرع النبي ﷺ إلى الجذع؟

الصحابة، الذين ملأت محبّة النبي ﷺ قلوبهم، كيف تتحمّل قلوبهم هذا المشهد؟ جمادٌ يبكي ويضطرب شوقًا لرسول الله ﷺ، فكيف بالقلوب التي آمنت به وعاشت في أنواره؟
لذلك نزل النبي ﷺ مسرعًا، ليس فقط رحمةً بالجذع، بل شفقةً على الصحابة، حتى لا تموت قلوبهم وجعًا، وكأنه يقول لهم: “لا تجزعوا، لا تفزعوا، فكما سكن الجذع بلمسةٍ واحدة، تسكن قلوبكم إن بقيتم في حبّي ووصالي.”

رسالة إلى القلوب المحبة للنبي ﷺ

إذا أردت السكون، فابحث عنه عنده

إن كنت تهيم ولا تهتدي، فلن تجد مأوى إلا في أنواره ﷺ، وإن كنت تتألم ولا تطيب جراحك، فدواؤك في ذكره، في حبّه، في القرب من مقامه، حيث لا اضطراب، لا وحشة، لا أنين، بل سكينة تغمر الأرواح كما غمرت الجذع.

إشارة عميقة في قصة الجذع

القلب الذي صاح وناح، وهام واشتد شوقُه، واضطرب بحبِّ الحبيب ﷺ، لن يخذله الحبيب، لن يتركه تائهًا في ظلمات الفقد، بل سيمسح عليه بيده النورانية، فيسكن، ويأنس، كما يأنس الحبيبُ إذا عاد إلى حضن حبيبه.

الذكر حياة القلوب

قال النبي ﷺ عن الجذع: “كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا.”
إذًا، من عاش مع أنفاس الذكر، ومن اغتسل بروح الوصال، ومن عرف لذّة النور المحمدي، فكيف له أن يسكن إلا بلمسةٍ من يديه الشريفتين؟

سر ارتباط الجمادات برسول الله ﷺ

قد يتساءل البعض: كيف يبكي الجذع؟ وكيف تعقل الجمادات حب النبي ﷺ؟ لكن الحقيقة أن كل ذرة في هذا الكون تدرك مقامه الشريف، وتعرف أنه الرحمة المهداة. فالجمادات التي لا روح فيها، اهتزت شوقًا إليه، وسارعت إليه حبًّا، فما بالك بقلوبٍ امتلأت بالإيمان؟

لقد كان الجذع رفيقًا للنبي ﷺ، يسمع منه الذكر والخطب، فحين فارقه شعر بالغربة، كما يشعر القلب حين يبتعد عن نور الهداية. فلو كان جمادٌ قد تأثر بفراقه، أفلا يجدر بنا أن نزداد حبًّا له وتعلقًا بسيرته العطرة؟ خواطر في الجمال المحمدي

القلوب التي تشتاق إليه لا تضل

إن قصة الجذع تعلّمنا أن القلب الذي يشتاق لرسول الله ﷺ، ويهفو إلى قربه، لا يُترك في ظلمات الحيرة، ولا يُخذل في وحشة الفقد. فقد جاء النبي ﷺ إلى الجذع، مسح عليه بيده الشريفة، فسكن وأَنِس. وهكذا كل من اشتاق إلى هديه، وتعلّق بسنته، وامتلأ بحبّه، سيجد السكينة والطمأنينة، وستمتد إليه أنوار الرحمة، كما امتدت إلى الجذع حتى هدأ واستراح.

خواطر في الجمال المحمدي

خواطر في الجمال المحمدي
خواطر في الجمال المحمدي

رسالة أخيرة لكل مشتاق لـ خواطر في الجمال المحمدي

إذا وجدتَ قلبك مضطربًا، يبكي شوقًا، يئنُّ لوعةً، فاعلم أنَّ لمسةَ النبي (صلى الله عليه وسلم) قريبة، وأنَّ من هامَ فيه لن يضيعه، ومن ناداهُ بصدقٍ لن يتركه، بل سيغمرُه بنوره، ويمسحُ عليه براحته، فيهدأ، فيسكن، فيأنس، كما سكن الجذعُ بعد الحنين.

بقلم: الشيخ خلدون الهيتي القادري

واقرأ أيضًا عن الجمال والكمال المحمدي

error: Content is protected !!