خواطر في عشق الجمال المحمدي تحية الحجر ووفاء النبي (صلى الله عليه وسلم) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ».
يا عجبًا! إذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم لم ينسَ حجرًا جامدًا، ولا غابت عنه معرفته، فكيف ينسى قلبًا عاشقًا قد ذاب شوقًا في هواه، وانصهر كليًّا في محبته؟ كيف ينسى أرواحًا قد جعلته قبلة المحبة، وجعلت أنفاسها أهازيج ولاءٍ له، وقلوبها مرايا تعكس نوره الأول؟
الحجر الذي نطق حبًّا
إذا كان الجماد الذي لا يفقه ولا يعقل قد اهتزَّ وتكلم وسلَّم عليه قبل البعثة، فأي مقامٍ هذا لحبيبٍ عاش في أنواره، وذاق لذة حضوره، وسلك سبيله حتى صار لا يرى في الوجود إلا أثر جنابه العالي؟
إنه شرفٌ ما بعده شرف، أن تكون في قلب النبي ﷺ، محفوظًا في ذاكرته النورانية، كما حُفِظَ ذاك الحجر. فكيف يغيب عن قلبه الشريف أولئك الذين هاموا به حبًّا، وسجدوا بدموعهم في محراب عشقه؟
هل ينسى النبي ﷺ أحبابه؟
ويح النفوس الغافلة! كيف لا تُدرك أن المصطفى ﷺ لا ينسى من أحبه؟ كيف لا تُبصر أن قلبه الشريف يحفظ الوجوه التي اشتاقت إليه، والأرواح التي تعفَّرت في درب محبته؟ إذا كان حجرًا في مكة لا يزال محفورًا في ذاكرته النورانية، فما بالك بقلوب هامَت به، وعاشت في أنواره، واستضاءت بحبه؟
المحبة لا تُفارق ولا تغيب
لا والله، لا يتركهم، لا والله، لا يغيبون عن عينه، بل هم محفوظون في طيّ أسراره، في حضرة أنواره، في ظل رحمته التي لا تفنى. إن من عاش في أنواره لا يغيب عنه، ومن استضاء بحبه لا يُحرم منه، ومن كان له قلبٌ يعشق، فليبشر، فإنه مع من أحب، في الدنيا والبرزخ، وفي عرصات القيامة، حتى يبلغ مقام القرب، حيث لا مسافة بين العاشق والمعشوق، حيث لا يُفترق الحبيب عن حبيبه.
من دروس الحجر العاشق
فابكِ يا عاشق، فدموعك تُساقي نخل الشوق، وابسط كفَّك، فإن يده الطاهرة تمتدُّ إليك، وإنه لأعرف بك… الآن، وغدًا، وإلى الأبد. فأين العقول من شهود ما أدركه الحجر؟ وأين الأرواح من صحبة ما رأته الجبال؟ لقد نطق الحجر حيث سكتت القلوب المغلفة بحجب الغفلة، وأدرك الحجر وهو صامت ما جهلته القلوب وهي تسمع وتبصر.
-
نداء القلوب العاشقة
إذا كان الحجر قد سلّم على النبي ﷺ ولم ينسه، فكيف بالقلوب التي امتلأت بحبه واشتاقت إلى لقائه؟ إن قلب العاشق الصادق يظل يردد نداءه كما ردده الحجر، متضرعًا في خلواته، مناديًا في سكينته: “يا رسول الله، إني أحبك!”، فهل تظن أن الحبيب يغفل عن مناجاتك؟ كلا، بل يعرفك كما عرف الحجر، ويرد عليك كما رد عليه، لكنك تحتاج إلى قلبٍ يسمع، وروحٍ تُبصر. خواطر في عشق الجمال المحمدي -
سِرّ العشق المحمدي
من سرّ العشق المحمدي أن المحبّ لا يضيع، ولا يُنسى، ولا يُترك في وحشته، فمن أحب النبي ﷺ صدقًا، تعلق به، وأصبح نور الحبيب يسري في قلبه، فيغدو قلبه كالكعبة، يدور حولها الشوق، وتضيئها أنوار الوصال. وإن كان الجماد قد نال هذا الشرف، فكيف بروحٍ خاشعة، ونفسٍ عاشقة، ولسانٍ لا يزال يلهج بالصلاة والسلام عليه؟
نداء العشق والوصال
إن كل محبٍّ صادقٍ يبحث عن أثرٍ يدلّه على المحبوب، وكل عاشقٍ يتتبّع خطى من يهيم به قلبه، فكيف إذا كان المحبوب هو النبي ﷺ، وكيف إذا كان الوصال إليه يروي القلوب العطشى، ويحيي الأرواح الظامئة؟ إن من صدق في محبته، وجد في قلبه جذوةً من نور الحبيب لا تنطفئ، فإذا ذكرت اسمه، اضطرب الوجدان، وإذا استحضرت سيرته، سكنت النفس في أمان. فالمحبة ليست مجرد كلمات، بل هي مقامٌ يعيشه القلب، وسلوكٌ يفيض على الجوارح.
خاتمة في خواطر في عشق الجمال المحمدي: هل نتعلم من الحجر؟
فهل من عارف يُصغي لحكمة الجبال والأحجار، فيعرف ما عرفت، ويعشق ما عشقت، ويسلِّم كما سلَّمت؟ إن كان الحجر قد حفظ العهد، فكيف بنا وقد أكرمنا الله بالعقل والبيان؟ إن المحب الصادق لا يسكن إلا في ظلال الحبيب ﷺ، ولا يهدأ إلا في أنواره، ولا يحيا إلا بروحه المتصلة بمدد السماء. فلنكن من الذين يعرفهم الحبيب كما عرف الحجر، ولنكن من الذين يسيرون على خطاه، في الدنيا والآخرة.
خواطر في عشق الجمال المحمدي

بقلم: الشيخ خلدون الهيتي القادري
واقرأ أيضًا عن الجمال والكمال المحمدي