الحمد لله الذي جَعَلَ ذِكرَه حياةَ الأرواح، ونورَ القلوب، وقوتَ المحبين، وصلاةً دائمةً في حضرة القرب والأنس. والصلاة والسلام على إمام الذاكرين وسيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين:
فإن ذِكر الله تعالى غذاء الأرواح، وماؤها الذي تحيا به، ونورها الذي تهتدي به في ظلمات الوجود.
وإن المحبّ الحق لا يفارق ذكر محبوبه، ولا يغفل عنه طرفة عين، لأن الغفلة عن الذكر انفصال، والانفصال موتٌ بطيء للمحبين.
أولًا: إشارات الآيات القرآنية
قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205]. أن الله تعالى لم يأمر بالذكر فقط، بل بأدبه:
“في نفسك”: أي أن يكون الذكر حَيًّا في القلب قبل اللسان،
“تضرعًا وخيفة”: أي خضوعًا وشوقًا مع خوف الفراق،
“ولا تكن من الغافلين”: لأن الغفلة حجاب، ومن دخل في الغفلة مات قلبه وإن مشى بجسده.
وقال جل جلاله:
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]. أي أن من أقام نفسه في مقام الذكر، أقامه الله في مقام الحضرة والمشاهدة،
فالذاكر مذكور، والمحب محبوب، والعاشق مشهود.
وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: 28]. فالطمأنينة الحقيقية لا تكون بكثرة المال ولا بجاه السلطان، بل بذكر الحبيب وحده، فمن ذَكَرَه، استقرّ قلبه فوق عرش المحبة.
ثانيًا: إشارات الحديث النبوي الشريف
قال رسول الله ﷺ: ” مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ”. (رواه البخاري). فالذاكر حيٌّ بروح محبته، يجول في بساتين القرب، والغافل ميتٌ، يتخبط في ظلمات البعد. فالذكر حياةٌ لأن فيه معية الله تعالى:﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾،
وفيه لذة المناجاة، وفيه شرب من كأس الأنس لا يذوقه إلا العاشقون.
فالذاكر في حضرة محبوبه، لا يسكن لسانه، ولا يهدأ قلبه، ولا يطمئن إلا بذكره ومناجاته.
فلا يفارق الذاكر ذكره طرفة عين، لأنه مشغول بمن لا يغيب عنه أبدًا.
فالذكر ليس حركة لسان، بل احتراق قلب، وأن المحب لا يسكن حتى يكون مع حبيبه دائمًا.
والمحب إذا استولت محبةُ محبوبه على قلبه،
لم يذكر سواه،
ولا التفت إلى غيره،
فلو أشغله الخلق، كان قلبه مشغولًا بذكر المحبوب وحده.
فقلب المحب ساجدٌ وإن قام، ولسانه ذاكرٌ وإن سكت، وعينه باكيةٌ وإن ضحكت.
ولو سُئل المحب عن اسم غير محبوبه، ما أجاب، ولو نودي بغير اسمه ما التفت.
تأمل…..عاشقًا هام حبًّا بحبيبه، يجول في الطرقات، لكنه لا يرى إلا صورته، ولا يسمع إلا صوته،
ولا ينطق إلا باسمه، فهو في كل لحظة مستغرق في ذكره، ولو كان ظاهره منشغلًا بأمور الدنيا.
كذلك الذاكر العاشق: قد يأكل ويشرب ويبيع ويشتري، لكن قلبه لا يغفل عن محبوبه طرفة عين. ولسان حالهم يقول: نُكَلِّمُ الناس وألسنتنا معهم، وقلوبنا مع الله”.
فالذكر حياةُ الأرواح، ونور القلوب، وغذاء العاشقين، ولا مقام عند الله تعالى أرفع من مقام الذكر الدائم، لأنه باب الدخول إلى حضرة الحبيب، ومفتاح سرّ القرب.
نسأل الله أن يجعل ألسنتنا رطبة بذكره، وقلوبنا عامرة بحبه،وأرواحنا هائمة في أنواره،، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
“اللهم اجعلنا من الذاكرين لك كثيرًا والذاكرات، ومن المحبين لك ولرسولك ﷺ، ومن العاشقين لأنوار حضرتك المقدسة.”

فضل ذكر الله وعدم الغفلة عنه طرفة عين
فضل ذكر الله وعدم الغفلة عنه طرفة عين

الخلاصة عن فضل ذكر الله وعدم الغفلة عنه طرفة عين

نُجدد محبتنا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم), لمعرفة المزيد من المقالات حول السيرة النبوية وقضايا التزكية والأخلاق، يمكنك زيارة موقع الشيخ خلدون.

error: Content is protected !!