الرياء آفة خفية تتسلل إلى القلوب دون أن يشعر بها صاحبها، حتى إذا استوطنت قلبه أفسدت عليه إخلاصه، وصارت عباداته جوفاء لا روح فيها. وقد حذّر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الرياء فقال: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ» قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرِّيَاءُ».

والحديث عن “كيف أترك الرياء في العبادات” ليس موضوعًا فقهيًا فحسب، بل هو مسار تربوي عميق يتطلب تزكية للنفس، وصفاءً في القلب، وإقبالًا صادقًا على الله. في هذه المقالة، والتي تنشر عبر موقع الشيخ خلدون المتخصص في علوم الشريعة والتزكية والأخلاق (khaldoneg.com)، نرسم طريقًا عمليًا وروحيًا للخلاص من هذا الداء، مستمدين من القرآن، ومن سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تجارب السالكين في طريق الله تعالى.


معنى الرياء ولماذا هو خطير؟

الرياء هو أن يقوم الإنسان بالعبادة أو الطاعة ليُرَى من الناس ويُمدَح، لا رغبة في وجه الله تعالى. وقد قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ﴾. فالمرائي في خطر عظيم لأنه يسعى ليُذكَر لا ليَذكُر، ولينال الثناء لا الرضا.

إن الرياء لا يُذهب أجر العمل فقط، بل قد يكون من أسباب دخول النار، نسأل الله السلامة. قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: «من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به»، أي يُفضَح على رؤوس الأشهاد.


أسباب الرياء في العبادات

حتى نعرف كيف نترك الرياء في العبادات، علينا أن نعرف أسبابه:

  1. حب المدح: حب النفس لثناء الناس، وهذا أصل كل رياء.
  2. ضعف الإيمان: ضعف مراقبة الله ، فيغلب على العبد نظر الناس إليه.
  3. الصحبة السيئة: من جالس أهل المجاملة والتفاخر، أحب أن ينافسهم.
  4. قلة العلم: من لم يعرف مقام الإخلاص وعظمته، لم يسع إليه.

علامات الرياء التي يجب الحذر منها

  • نشاط في الطاعة إذا حضر الناس، وفتور إذا خلا.
  • الحزن إذا لم يُمدَح بعد عبادة.
  • انتظار ثناء الناس بعد عمل الخير.
  • كثرة الحديث عن عباداته وأعماله.

كيف أترك الرياء في العبادات؟ (خطة عملية)

1. تجديد النية باستمرار

اجعل لك وقتًا قبل كل عبادة تراجع فيه نيتك وتقول لنفسك: “هل أفعل هذا لله؟”. قال بعض السلف: “النية تحتاج إلى نية”.

2. الدعاء لله أن يطهّر قلبك

من أفضل الأدعية: “اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم”.

3. الإكثار من العبادات الخفية

من أعظم وسائل الإخلاص أن تُكثر من الطاعات التي لا يراك فيها أحد. صلِّ في جوف الليل، تصدّق بيمينك دون أن تعلم شمالك.

4. صحبة المخلصين

اجلس مع من يذكّرك بالله لا بنفسك. الشيخ خلدون، مثلًا، يقدّم في موقعه khaldoneg.com مقالات وكتبًا تربوية تعين على الإخلاص وترك الرياء.

5. محاسبة النفس بعد كل عبادة

اسأل نفسك: هل كنت حاضر القلب؟ هل فعلت هذا لله؟ وعاتبها برفق.


من أقوال أهل الله في الإخلاص

قال الحسن البصري: “ما زال أهل العلم يكتبون ويعلّمون، ويخشون أن يقال عنهم: علماء”. وقال أحدهم: “الإخلاص أن تستوي أعمالك في السر والعلن”.

وقال شيخ من شيوخ العراق: “الإخلاص لا يعرفه إلا من ذاق طعمه، وهو سرّ بين العبد وربّه، لا يعلمه مَلَك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله”.


الإخلاص في سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه رضي الله عنهم على الإخلاص، بل كان هو إمام المخلصين. في غزوة بدر، وقف يدعو ويبكي، ولم يكن همه النصر أمام الناس بل رضا الله.

قال له أبو بكر رضي الله عنه: “حسبك يا رسول الله، فإن الله منجز لك وعدك”. فالمخلص لا ينظر إلى النتيجة بل إلى مقام العبودية.


دعاء لترك الرياء وطلب الإخلاص لكل من يسأل كيف أترك الرياء في العبادات

“اللهم طهّر قلبي من النفاق، وعملي من الرياء، ولساني من الكذب، وعيني من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور”.

“اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، لا نبتغي بها إلا رضاك، وأعذنا من أن نشرك بك شيئًا ونحن لا نعلم”.

كيف أترك الرياء في العبادات
كيف أترك الرياء في العبادات

الخاتمة عن كيف أترك الرياء في العبادات

ترك الرياء في العبادات ليس بالأمر الهين، لكنه ميسور لمن صدق مع الله. فلنُقبِل على تزكية نفوسنا، ومراقبة قلوبنا، واستحضار عظمة الله في كل عمل، فهو الذي يعلم السر وأخفى. ولنعلم أن الإخلاص هو روح العمل، ولبّ الطاعة، ومن ترك الرياء وأقبل على الله، بلّغه الله أعلى المقامات.

نُجدد محبتنا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم), لمعرفة المزيد من المقالات حول السيرة النبوية وقضايا التزكية والأخلاق، يمكنك زيارة موقع الشيخ خلدون.