سنحدثكم عن بعض من سلسلة الجمال والكمال المحمدي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قُلْتُ لِهِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ: صِفْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ قَالَ: كان فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلَأْلَأُ وجهُه تَلَأْلُؤَ القمرِ ليلةَ البدرِ، أطولَ من المربوعِ ، وأَقْصَرَ من المُشَذَّبِ، عظيمَ الهامَةِ ، رَجِلَ الشعرِ ، إنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُه فَرَقَ، وإلا فلا يجاوزُ شعرُه شَحمةَ أُذُنَيْهِ إذا هو وَفَّرَه، أَزْهَرَ اللونِ، واسِعَ الجَبِينِ ، أَزَجَّ الحواجبِ، سَوَابِغَ في غيرِ قَرَنٍ، بينهما عِرْقٌ يُدِرُّهُ الغضبُ، أَقْنَى العِرْنِينِ، له نورٌ يَعْلُوهُ يَحْسَبُهُ مَن لم يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، كَثَّ اللحيةِ ، سَهْلَ الخَدَّيْنِ، ضَلِيعَ الفَمِ ، أَشْنَبَ، مُفَلَّجَ الأسنانِ، دقيقَ المَسْرُبَةِ ، كأنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ في صَفاءِ الفِضَّةِ، مُعْتَدِلَ الخَلْقِ، بادِنًا متماسِكًا، سَواءَ البَطْنِ والصَّدْرِ، عريضَ الصَّدْرِ، بعيدَ ما بينَ المَنْكِبَيْنِ، ضَخْمَ الكَرَادِيسِ ، أَنْوَرَ المُتَجَرِّدِ مَوْصُولَ ما بينَ اللَّبَّةِ والسُّرَّةِ بشَعْرٍ يَجْرِي كالخَطِّ، عارِيَ الثَّدْيَيْنِ والبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذلك، أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ والمَنْكِبَيْنِ وأَعَالِيَ الصَّدْرِ، طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ رَحْبَ الراحةِ، سَبْطَ العَصَبِ، شَثْنَ الكَفَّيْنِ والقَدَمَيْنِ، سائِلَ الأطرافِ خَمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ، مَسِيحَ القَدَمَيْنِ، يَنْبُو عنهما الماءُ، إذا زال قَلْعًا، ويَخْطُو تَكَفُّؤًا، ويَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعَ المِشْيَةِ، كأنما يَنْحَطُّ من صَبَبٍ ، وإذا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جميعًا، خافِضَ الطَّرْفِ ، نَظَرُهُ إلى الأرضِ أَطْوَلُ من نَظَرِهِ إلى السماءِ، جُلُّ نَظَرِهِ المُلَاحَظَةُ، يَسُوقُ أصحابَه، ويَبْدَأُ مَن لَقِيَهُ بالسلام” .
هذا الحديث بحرٌ لا قاع له، ومحيطٌ لا حدود له، في كل كلمة منه نور، وفي كل جملة منه إشراق، وهو يفتح أمام العاشقين دروبًا من الجمال لا تُعد ولا تُحصى. لنغص في هذا البحر معًا، ونطير في سماءه الواسعة. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
كان فَخْمًا مُفَخَّمًا
ليس الفخامة هنا مجرد عظمةٍ تُرى بالعين، بل هي الهيبة التي تُلقي بظلالها على الأرواح، فإذا رآه أحدٌ انخلع قلبه إجلالًا، ثم انجذب إليه حبًّا، فهو فخمٌ في ذاته، مفخمٌ لمن رآه، كأن الأرض تتهيأ له، والوجود كله يتهيّب استقباله (صلى فخامتُه كانت مستمدة من مقامه الرفيع عند الله سبحانه وتعالى، ولذا كان كل من يراه يشعر وكأن الجمال يعانق السماء.
“يتلألأ وجهه تَلَأْلُؤَ القمرِ ليلةَ البدرِ” شعاع الجمال الإلهي الذي كان ينبعث من وجهه (صلى الله عليه وسلم) ليس مثل أي وجه آخر، بل كان يتلألأ كما يتلألأ القمر في ليلة البدر، فالقمر في تلك الليلة هو أكمل ما يكون من نور، كذلك كان وجهه (صلى الله عليه وسلم) ، أكمل وأبهى من كل جمال. ليس نورًا عاديًا، بل نور إلهي يعكس جلال الله عز وجل.
كان وجهه (صلى الله عليه وسلم) كوكبًا دريًا، يتلألأ بنورٍ لا يشبه نور الخلق، بل هو نورٌ مستمدٌ من أنوار القرب، مشرقٌ بإشراق الاصطفاء، يتجلى فيه سر الجمال الإلهي، فيأسر القلوب، ويخطف الأبصار، وتخشع له الأرواح. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
فقوله: “كان حسن الوجه” ليس وصفًا عابرًا، بل هو كشفٌ عن سر الجمال المصطفوي، الجمال الذي لم يُقسم بين الخلق، بل اختُص به (صلى الله عليه وسلم) .
وأما قوله: “يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر”، إشارة إلى النور الذي فاض من حضرته (صلى الله عليه وسلم) ، فهو النور الذي لا تحجبه الظلمات، ولا يخفت بمرور الزمان، ولا يُقاس بضياء الكواكب، إذ هو نور النبوة، نور الرحمة، نور الحقيقة المحمدية. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
وإذا كان القمر يكتمل ثم يتناقص، فإن نور وجهه (صلى الله عليه وسلم) باقٍ لا يزول، ومشرقٌ لا يأفل، بل كلما زاد القرب منه، ازداد إشراقًا في القلوب، حتى إن من رآه لأول مرة أُخذ بهيبته، ومن رآه مرارًا ازداد له حبًا، كأن القلوب لم تروِ ظمأها منه، وكأن العيون لم تشبع من نور طلعته البهية.
وهكذا كان وجهه (صلى الله عليه وسلم) ترجمانَ الجمال الإلهي، وسراج العارفين، فما رآه أحدٌ إلا أحبّه، وما تأمل طلعته مؤمنٌ إلا امتلأ قلبه يقينًا.
فيا لبهاء ذلك الوجه النوراني، الذي يشهد كل حرف من وصفه على كمال المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ، ويا لسحر تلك الطلعة البهية، التي لو رآها العارفون حقًّا، لذابوا في أنوارها شوقًا ومحبةً، صلى الله عليك يا سيد الورى، ما أشرقت الشمس والقمر، وما تلألأت أرواح المحبين بحبك. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“أطولَ من المربوعِ، وأقصرَ من المُشَذَّبِ” هي تلك الوسطية الكاملة التي كانت في كل شيء في جسده (صلى الله عليه وسلم) ، لم يكن طويلًا جدًا، ولا قصيرًا جدًا، بل كان في الحجم والهيئة على الكمال، كان يمثل التوازن في أجمل صوره، وكأن كل جزء من جسده قد وُزِع بعناية وحكمة.
“عظيمَ الهامَةِ” هامة الرسول (صلى الله عليه وسلم) كانت تعبيرًا عن عظمة فكره، وعلو مقامه عند الله عز وجل، فجمال لم يقتصر على الظاهر فقط بل في العقل والروح والقلب، في الظاهر والباطن، في كل ذرة فيه (صلى الله عليه وسلم) ، والهامة الكبيرة تدل على عظمة الفكر وشرف المنزلة. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“رَجِلَ الشعرِ” شعره (صلى الله عليه وسلم) كان يمتاز بكثافته وجماله، وكان له خصوصية تنم عن عنايته بشعره، ولا شك أن شعره كان يشع نورًا كما كانت سائر صفاته.
شعره (صلى الله عليه وسلم) كان يحمل في طياته دلالات الرحمة والمودة، وكان ينزل على وجهه مثل الهالة حول الشمس، فلا يماثله شيء في حسن التوزيع والنعومة، حتى إن “عقيقته”، أي شعره، كان ينعطف في اتساقٍ، وهذه فطرة ربانية عجز عن وصفها الفصحاء، إذ يكمن في هذا التفصيل جزئية تُظهر أن كل جزء في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) له حكمة.سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“إنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُه فَرَقَ، وإلا فلا”هذه الجملة تشير إلى حسن تنظيم شعره (صلى الله عليه وسلم) ، وإذا انفرقت عقيقتُه (شعر رأسه)، كانت تتوزع بشكل طبيعي وكأنها تخضع لأمرٍ إلهي، لا تفرّق ولا تتغير إلا بما يتناسب مع الهيبة الكاملة التي كان عليها (صلى الله عليه وسلم) . سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“أَزْهَرَ اللونِ” كان وجهه (صلى الله عليه وسلم) نقيًا، صافيا، لا تشوبه شائبة، أزهر ليس في اللون فقط، بل بمعنى الصفاء واللمعان الروحي الذي يعكس النور الإلهي.
“أزهر”، فيه إشارة إلى نقاء في الروح، مشعة بنور الحضرة الربانية الني لا يفارقها، لا يتغير مع مرور الزمن، بل دائم التجدد.
“أزهر”، دلالة على الاستقامة والصفاء الروحي الذي كان يميز المصطفى (صلى الله عليه وسلم) . عن غيره من الخلق، تجد جمالًا مطلقًا لا غبار عليه، جمالا لا يعتمد على الزمان أو المكان، بل هو جمال متأصل من أنوار الحضرة الإلهية. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“واسِعَ الجَبِينِ”. هذه الدلالة على الاتساع لا تأتي فقط في الشكل الظاهري، ولكن في عمقها تُمثل سعة العقل والرؤية التي كان يتمتع بها (صلى الله عليه وسلم) .
فالمعرفة التي كان يحملها في صدره، والسعة التي كان يرحب بها في قلبه لكل البشر، هي تلك التي تعكسها سعة جبينه، فما كان (صلى الله عليه وسلم) واسع الجبين فحسب من ناحية الشكل، بل كان عقله وتفكيره ورؤيته للناس كلها واسعة، تجسد محبة للعالمين. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“أَزَجَّ الحواجبِ، سَوَابِغَ في غيرِ قَرَنٍ” الحواجب كانت معتدلة، متناسقة، ليست شديدة التقوس، بل تعكس جمالًا طبيعيًا لم يكن فيه مبالغة، وكل تفاصيل وجهه (صلى الله عليه وسلم) كانت متناغمة مع بعضها، تعكس الاعتدال والجمال الطبيعي. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“بينهما عِرْقٌ يُدِرُّهُ الغضبُ” العرق الذي يظهر بين حاجبيه عند الغضب هو جزء من إنسانيته (صلى الله عليه وسلم) ، يتفاعل مع الأمور التي تهم دينه وعلاقته بالناس، لكن هذا الغضب لم يكن عاطفيًا بل كان غضبًا لله (صلى الله عليه وسلم) ، كان يظهر هذا العرق عندما يتعرض للمساس بحقوق الله (صلى الله عليه وسلم) . سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“أَقْنَى العِرْنِينِ” أنفه كان معبرًا عن الجمال، ناعمًا وعاليًا، ذو هيبة تبرز في تفاصيله، كان يتناسب مع باقي ملامحه الفائقة الجمال، وكأن الأنف كان مكملاً لهذه الهيئة الكاملة.
“له نورٌ يَعْلُوهُ يَحْسَبُهُ مَن لم يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ” لأنه (صلى الله عليه وسلم) الذي أرسله النور (صلى الله عليه وسلم) ونزل عليه النور، النور الذي يعلو وجهه (صلى الله عليه وسلم) ليس نورًا ماديًا فحسب، بل هو نور من الجمال والجلال والكمال، نور يراه المؤمنون بقلوبهم قبل أن تراه أعينهم. هذا النور يجعل وجهه (صلى الله عليه وسلم) يشع، لدرجة أن من لا يتأمل في وجهه عن كثب، قد يظن أنه أشمٌ (الطويل قصبة الأنف)، لكن الحقيقة أنه نورٌ يفيض من ذاته الطاهرة. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“كَثَّ اللحيةِ” هذه من سمات الرجولة الكاملة والجمال المهيب، كانت لحيته (صلى الله عليه وسلم) كثيفة ومعتدلة، لا تغطي وجهه بالكامل ولم تكن خفيفة، بل كانت تحمل هيبة وقوة، وأيضًا تعكس الحكمة التي كان يتسم بها (صلى الله عليه وسلم) . سلسلة الجمال والكمال المحمدي
اللحية كانت تزيده وقارًا، ويغلب على العين في رؤيته (صلى الله عليه وسلم) هذا التفصيل الذي يتناسب مع جماله في كمالاته الروحية والجسدية.
سَهْلَ الخَدَّيْنِ
ذلك الجزء من وجهه (صلى الله عليه وسلم) الذي لا يعكر صفاءه شيء، كان خداه ناعمين ومتناغمين مع بقية ملامح وجهه، يضفيان عليه لمسة من السلاسة والنعومة التي تشير إلى أنه (صلى الله عليه وسلم) لم يكن جميلًا من الخارج فحسب ، بل كان أيضًا على درجة عالية من الرقة في طبعه، التي تظهر في كل تصرف وكل كلمة وكل همسة. خدان لطيفان تلطفا من مواجهة أنوار الحضرات حضرات الجمال والجلال. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“ضَلِيعَ الفَمِ” دليل على كمال الجمال، “ضَلِيعَ الفَمِ”، فمه كان واسعًا متناسبًا مع جمال هيئته، لم يكن صغيرًا يضيق بالكلام، ولا كبيرًا يخل بتناسق وجهه، بل كان معتدلًا، يشع منه البيان والفصاحة، كيف لا وقد أُوتي جوامع الكلم. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
كانت كلماته (صلى الله عليه وسلم) تخرج من فمه بأبلغ ما يكون، فتصل إلى القلوب دون حاجز، كان منطقه يعجز الفصحاء والبلغاء، فكان صوته مزجًا بين القوة والرحمة، بين العذوبة والهيبة، يسمعه السامع فيرتاح إليه قلبه، ويخشع له وجدانه. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“أَشْنَبَ، مُفَلَّجَ الأسنانِ” أي كانت أسنانه (صلى الله عليه وسلم) متفرقة انفراجًا يسيرًا، وهذا من علامات الجمال، فقد كان ضحكه (صلى الله عليه وسلم) نورًا يُبصر، بلا قهقهةً ولا ضوضاء، بل تبسمًا يُشرق كالشمس، يُسَرّ به من يراه. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
كان إذا تكلم، تلألأت أسنانه بين شفتيه، كأنها بريق دررٍ مصفوفة. ومن روعة جماله (صلى الله عليه وسلم) أن الصحابة كانوا ينظرون إليه وكأنهم ينظرون إلى نبعٍ صافٍ من النور، كيف لا وهو من أرسله الله رحمة للعالمين. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“دقيقَ المَسْرُبَةِ” هذا التفصيل البسيط يُظهر دقة العناية بكل جزء من هيئته.
“كأنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ في صَفاءِ الفِضَّةِ” يا لجمال هذه الصورة، كأن عنقه (صلى الله عليه وسلم) عقدٌ من الفضة الصافية، لا تشوبه شائبة، وكان فيه طولٌ محمودٌ يضفي عليه مزيدًا من الهيبة والوقار. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
لم يكن في عنقه انحناء، بل كان مستقيمًا متناسقًا مع باقي جسده، كأن النور يجري فيه كما يجري الماء في الجدول الرقراق.
هذه الإشارة إلى الفضة لا تقف عند الجمال المادي، بل تشير إلى نقاء روحه (صلى الله عليه وسلم) ، وأنه (صلى الله عليه وسلم) كان مثالًا للطهارة في ذاته وخلقه وخُلقه.
“مُعْتَدِلَ الخَلْقِ” كانت هيئته (صلى الله عليه وسلم) على أكمل وجه من حيث التوازن والاعتدال، لم يكن فيه شيء مائل أو غير متناسق، بل كان تناغمًا كاملًا بين الأبعاد الجسمانية والروحية. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“بادِنًا متماسِكًا” كان جسده (صلى الله عليه وسلم) متماسكًا، قويًا، لا يفتر أو ينكسر، في كل حركة كان يظهر القوة في الجسد والروح معًا.
“سَواءَ البَطْنِ والصَّدْرِ” جسده كان في توازن دقيق بين البطن والصدر، متناسقًا في شكل جميل، يدل على القوة والاعتدال في خلقه (صلى الله عليه وسلم) .
“عريضَ الصَّدْرِ” كان صدره واسعًا، مظهرًا لسعة روحه، ولعظمة قلبه الذي يحمل رحمة للعالمين، وكان كتفاه (صلى الله عليه وسلم) عريضين، وهذا من دلائل القوة والشجاعة، وكان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس قوةً في بدنه، ومع ذلك كان ألين الناس قلبًا، فلا يستخدم قوته إلا لنصرة الحق، ولا يُظهر بأسه إلا عند الحاجة.
“بعيدَ ما بينَ المَنْكِبَيْنِ” أي أن منكبيه كانا قويين، مشدودين، يبعثان على الهيبة، ومع ذلك كان رحيمًا عطوفًا، فمنكبيه هما اللذان حملَا أثقال الوحي، وفيهما كانت قوة البشارة والنذارة، فسبحان من خلقه في أبهى صورة. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“ضَخْمَ الكَرَادِيسِ” كانت مفاصله (صلى الله عليه وسلم) قوية، تدل على قوة بنيانه، لكنه لم يكن جسده مجرد قوةٍ وصَلابة، بل كان متناسقًا مع لطافته الروحية، فقد جمعت ذاته الطاهرة بين القوة واللطف، بين الجلال والجمال. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“أَنْوَرَ المُتَجَرِّدِ” هذه الإشارة إلى النور، توضح أن جسده (صلى الله عليه وسلم) كان يفيض بهذا النور، ويشع في كل مكان يتواجد فيه.
“مَوْصُولَ ما بينَ اللَّبَّةِ والسُّرَّةِ بشَعْرٍ يَجْرِي كالخَطِّ” الشعر الذي يصل من اللَّبَّة إلى السُّرَّة كان بمثابة الخط الذي يربط الأرض بالسماء، يوحي بالاستقامة والاتصال الدائم مع الله عز وجل. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“عارِيَ الثَّدْيَيْنِ والبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذلك” كما كان الجزء العلوي من جسده خاليًا من الشعر، كان دليلاً على النقاء الكامل في قلبه وروحه. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ والمَنْكِبَيْنِ وأَعَالِيَ الصَّدْرِ” التفاصيل الصغيرة في شعر ذراعيه ومنكبيه كانت تكمل الصورة الجميلة لجسد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .
“طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ “ ساعديه (صلى الله عليه وسلم) كانا طويلين متناسبين مع بقية جسده، وهذه علامة من علامات الكمال في الخِلقة، فهي تدل على القوة والبأس، كما أنها تعكس جوده وكرمه، إذ كانت يداه (صلى الله عليه وسلم) دائمتي العطاء، لا تردُّ سائلاً، ولا تبخل على محتاج. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“رَحْبَ الراحةِ” أي أن كفّيه (صلى الله عليه وسلم) كانتا واسعتين، مملوءتين بالخير، البركة تفاض منهما، هي اليدٌ التي تواسي اليتيم، وتربت على كتف المستضعف، وتمنح العطاء للسائلين. كانت يداه مباركتين، إذا وضعهما على رأس مريضٍ برئ، وإذا مسح بهما وجه طفلٍ أنار، وإذا صافح أحدًا لم يكن يشقى بعدها أبدًا. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“سَبْطَ العَصَبِ” حركة جسده كانت سلسة، ويداه كانت تحملان مرونة ومهارة فائقة، ما يدل على العظمة المتكاملة في كمال جسمه (صلى الله عليه وسلم) .
“شَثْنَ الكَفَّيْنِ والقَدَمَيْنِ” كانت يداه وقدماه (صلى الله عليه وسلم) قويتين، تعكسان صلابة الروح، وحنان الجسد. كانتا قويتين، تطيقان تحمل أعباء الرسالة، والمشي في سبيل الله بلا وهن. ومع ذلك، فقد كانت يداه ألين من الحرير، وأطيب من المسك، فمن صافحه شعر بالبركة والراحة، ومن أمسك يده، وجد فيها سكينةً وأمانًا. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“سائِلَ الأطرافِ خَمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ” هذه اليدان والقدمان الممتلئتان بالعظمة والكمال، تشيران إلى طهارة جسمه، وكمال تربيته. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
مَسِيحَ القَدَمَيْنِ، يَنْبُو عنهما الماءُ، إذا زال قَلْعًا، سلسلة الجمال والكمال المحمدي
قدماه (صلى الله عليه وسلم) كانتا ناعمتين، تشيران إلى كمال الطهارة والنظافة الجسدية، في كل شيء كان يظهر عليه السمو. قدماه كانتا مستويتين، لا تعلو فيهما العظام بروزًا، بل كانتا في تناسقٍ جميلٍ مع جسده الطاهر، كان يسير في الأرض تواضعًا، لا يجر خطاه تكبرًا، بل يمشي وكأن الأرض تُطوى له.
“ويَخْطُو تَكَفُّؤًا، ويَمْشِي هَوْنًا” كانت حركته (صلى الله عليه وسلم) مُعتدلة ورشيقة، على أجمل ما تبصر العين من مشية. كان يميل قليلًا إلى الأمام إذا مشى، كأنما يسير نحو هدفٍ عظيم، لم يكن يمشي لهوًا أو عبثًا، بل كانت كل خطوةٍ منه تحمل رسالة، وتفيض بالنور. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“ذَرِيعَ المِشْيَةِ، كأنما يَنْحَطُّ من صَبَبٍ” كانت مشيته سريعةً لكنها ليست هرولة، بل مشيةً قويةً متوازنة، كأنما ينحدر من علوٍ بانسيابٍ وسلاسة، لا اضطراب فيها ولا تردد. كل خطوة كان يخطوها كانت كأنها تتحرك بشرف وسكينة، كأن الأرض تسعى لتحمل قدميه. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“وإذا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جميعًا” لم يكن (صلى الله عليه وسلم) يلتفت برأسه فقط، بل إذا أراد أن يلتفت إلى أحدٍ أو إلى شيء، التفت بجسده كله، وهذا من تمام الأدب، فهو لا يلتفت التفات المستهين، بل يعطي محدثه كل انتباهه، ويستقبله بوجهه، وكأنما يعطيه جزءًا من نوره.
إذا التفت، كان جسده كله يتجه نحوه، تنم عن تجانس بين عقله وروحه وجسده. سلسلة الجمال والكمال المحمدي
“خافِضَ الطَّرْفِ” كان (صلى الله عليه وسلم) دائم الخشوع في سلوكه، طيّبًا متواضعًا. لم يكن يتجول في الناس بتعجرف، ولا يُلقي النظرات جزافًا، بل كان ينظر إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، في تواضعٍ وخشوع، وكانت نظرته تفيض بالمحبة والرحمة.
“نَظَرُهُ إلى الأرضِ أَطْوَلُ من نَظَرِهِ إلى السماءِ” كان يرى في الدنيا وسيلة تقربه من ربه، وكان نظره إلى الأرض يشير إلى كمال تواضعه وزهده ، بل كان نظره مطرقًا، يغلب عليه التفكر والتأمل، لا تطرف عيناه فيما لا يعنيه، كان نظره عميقًا، كأنه يخترق حجب الغيب، يُبصر بنور الله تعالى.
“جُلُّ نَظَرِهِ المُلَاحَظَةُ” لم يكن(صلى الله عليه وسلم) يحدق النظر في أحدٍ ولا في شيء من الأكوان، بل كان إذا نظر، نظر بطرف عينه في حياءٍ وأدب، لم يكن فضوليًا ولا متطفلًا، بل كان نظره متزنًا، يشع منه الحياء.
“يَسُوقُ أصحابَه، ويَبْدَأُ مَن لَقِيَهُ بالسلام” كان (صلى الله عليه وسلم) متواضعًا، يبدأ دائمًا بإلقاء السلام على من يلقاه، يُعلِّمنا بذلك أدب التعامل والأخلاق الرفيعة. كان أول من يُحيّي، وأول من يسأل عن الأحوال، وأول من يُسعِد قلوب أصحابه بكلماته العذبة.

فيا لجماله (صلى الله عليه وسلم) كل وصفٍ من أوصافه يفتح لنا بابًا لفهم سر اصطفائه، وسر تعلق القلوب به، فهو الجمال الذي لا يُضاهى، والكمال الذي لا يُدانيه كمال. صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ما أشرقت الشمس، وما تلألأت أنوار المحبة في قلوب العارفين.
واقرأ أيضًا عن روحانيات أولياء الله الصالحين