اللَّهُمَّ لكَ الحمدُ، أنتَ قيِّمُ السمواتِ والأرضِ ومَن فيهن، ولكَ الحمد، أنتَ نورُ السمواتِ والأرضِ ومَن فيهن، ولكَ الحمد، أنتَ الحقُّ، ووعدُكَ حقٌّ، ولقاؤُكَ حقٌّ، والجنَّةُ حقٌّ، والنارُ حقٌّ، والنبيُّون حقٌّ، وسيدنا محمّدٌ صلى الله على وسلم حقٌّ، والساعةُ حقٌّ.
اللَّهُمَّ صلِّ على سَيِّدِنا مُحَمَّد، النُّورِ الأزليِّ السَّارِي، والمَجْلى الأعظمِ لِجمالِ ذاتِك، صلاةً تفتحُ بها لنا أبوابَ الوُدِّ، وتُفيضُ بها على قلوبِنا نورَ القُربِ والشُّهود، وتجعلُنا بها من أهلِ الاصطفاءِ والعهود.
اللَّهُمَّ صلِّ على سَيِّدِنا مُحَمَّد، صلاةً تُطهّرُ بها نفوسَنا، وتُنيرُ بها دروبَنا، وتَغفرُ بها ذنوبَنا، وتُقضى بها حاجاتُنا، وتَشرحُ بها صُدورَنا، وتَسكُنُ بها أرواحُنا، وتجعلُنا بها من المُحبّين، المُقرّبين، المُجتبَين، المُخلَصين، يا أكرمَ مَن سُئِل.
اللَّهُمَّ آتِ نفسي تقواها، وزكِّها، أنتَ خيرُ من زكّاها، أنتَ وليُّها ومولاها.
اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن دعاءٍ لا يُسمع، ومن نفسٍ لا تشبع.
اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ حبَّكَ، وحبَّ من يحبُّك، وحبَّ عملٍ يقرّبُني إلى حبّك، واجعل حبَّكَ أحبَّ إليَّ من الماء البارد على الظّمأ.
إلهي، ها أنا ذا واقفٌ ببابِك، لا شيءَ لي، لا جاهَ، ولا عمل، ولا نسب، ولا عُذر.
أتيتُكَ بذنوبٍ ملأت أقطارَ السَّماء، وبتقصيرٍ نوءُ بحمله الجبل، ولكنَّكَ دعوتَنا فلبَّينا، وقلتَ: “ادعوني أستجبْ لكم”، فها أنا أدعوك، فهل تردُّني.
إلهي، أنتَ كما أثنيتَ على نفسك، وأنا العبدُ الخاطئُ الجاهلُ المسكين، أقرُّ لكَ بالذّنبِ والقصور، فاغفرْ لي، كما غفرتَ لأحبّائِك العارفين، ولا تطردني عن بابِك وقد اعتدتُ طرقه في ظلمةِ الليل، وقد خنقني البكاء، وأضناني الاشتياق.
يا ربِّ، إنِّي عبدُ ذُلٍّ وفقْر، مَن ذا أذلُّ منّي إذا نظرتُ إلى ما اقترفتُه؟ ومَن أرجى منك إن نظرتُ إلى رحمتك؟
يا ربِّ، عُدتُ إليك منكسرَ القلب، مفضوحَ السرّ، فهل من سترٍ لا يزول؟
وهل من ودٍّ لا ينقطع؟ وهل من بابٍ لا يُغلق؟
أقسمتُ بعزَّتِك، لا يُطفئُ ظمأي غيرُ قُربِك، ولا يُبرئُ سقمي غيرُ نُورِكَ، ولا يُحييني سوى وجهِك الكريم.
اللَّهُمَّ، إنِّي أعوذُ بكَ من الحِجابِ، وأرجو الوصال، أعوذُ بكَ أن أكونَ من المطرودين، وأرجو أن أكونَ من المقبولين، اللَّهُمَّ لا تجعلني عبرةً للغافلين، ولا مَوردًا للّائمين، بل اجعلني سرًّا في سرِّك، وعبداً من عبيدِ حُبِّك، واجعل قلبي وِردًا في ليلِ أهلِ القرب، وجسدي ساجدًا في ميدانِ الذِّكر.
يا نُورَ النُّور، عميتْ عَينٌ لا تراك، ويا مَن بيدهِ مقاليدُ الأسرار، لا تجعلْ قلبي مأوى لغيرِكَ، ولا تحرمني شهودَ أنوارِكَ، ولا تبعدني عن مجلسِ قُربِك، فإنّك إن أبعدتَني، فإلى من ألتجئ؟ وإن رددتني، فعند مَن أقفُ باكيًا؟
إنّكَ أكرمُ من أن تردَّ طارقًا بالليل، وأرحمُ من أن تُخيِّبَ عبدًا ناداك في الدّجى: “مولاي، يا مولاي، أنتَ الغنيُّ وأنا الفقير، وهل يرحمُ الفقيرَ إلّا الغني؟ أنتَ القويُّ وأنا الضعيف، وهل يُجيرُ الضّعيفَ غيرُكَ؟”
اللَّهُمَّ، يا من إذا أقبلَ العاشقونَ أقبلتَ عليهم، وإذا سجدَ الساجدونَ تجليتَ بنورِك عليهم،
ها أنا أسجدُ لك، لا رغبةً في جنّة، ولا رهبةً من نار، ولكن شوقًا إليك، وافتقارًا إليك، وذُلًّا بين يديك.
اللَّهُمَّ، إنِّي لا أملكُ عملًا يُدنيني، ولا حولًا يُنجيني، ولكنِّي أحبّك، وإن لم أكن أهلًا لحبّك، فاجعلني من أهلِه، برحمتك، وفضلك، وجودك، وكمالك.
يا ربّ، هذا ليلُك، وسكونُك، وقلبي بينَ يديك، فلا تُقفلْ دونَه بابَ اللُّطف، ولا تُطفئ فيه نورَ الرجاء، واغمره بمعاني القُرب، ومشاهدَ الأُنس، وحلاوةَ الذِّكر، ونورَ التوحيد.
يا سَيِّدي… يا مَن ملكتَ قلبي، وسَبيتَ لُبِّي، يا مَن لا يُخاطبُه لساني، بل تُناجيه دموعي، يا مَن إذا ذكرتُ اسمَه ارتعشت أضلُعي، وإذا غفلتُ عنه ماتت روحي، وإذا ناديتُه خَفَقَ قلبي ونطقَت ذراتي…
مولاي…
عبدُكَ الذليلُ ببابِك، كسيرُ القلبِ على أعتابك، فقيرٌ لا يملكُ إلّا شوقَه، وحقيرٌ لا يرى في نفسِه شيئًا، إلّا فقرًا إلى وجهِك.
إلهي، حبيبي، يا أمانَ الخائفين… متى تُديمُ لقلبي شهودَكَ؟ متى تُنادي قلبي بنداء العاشقين: “قد رضيتُ عنكَ يا حبيبي، فاذكرني أذكرك، واذكرني أُؤنسك”؟
إلهي… يا ربِّ… إنِّي ما قصدتُ سِواك، ولا طلبتُ إلّا وجهَك، فما لقلبي مَأوًى غيرَ ظلالِ جُودِك، ولا لروحي مرفأٌ إلّا بحرَ حنانك.
يا الله، يا الله، يا الله…
عبدُك الذليلُ يناديك، المُحبُّ يناديك،
أنا الذي كسرتني الذنوب، وأحرقني الحنين، أنا الذي هَجرتُكَ يومًا بجسدي، لكنّ قلبي ما هَجَر،
أنا الذي أسرفتُ، وطالَ غَفلتي، ولكنّي ما نسيتُكَ يومًا، بل نسيتُ نفسي وأنا أفتّش عنك.
أسألكَ بدمعي، بانكساري، بحُرقةِ الاشتياق، وبسَوادِ ليلي، وبوَجعِ الغربة، أن لا تُباعد بيني وبينك، وأن لا تجعلْ حجابي مني، ولا فتنتي في نفسي، وأن لا تكلني إلى ما أظنُّ أنّه “أنا”، فإنّي وهمٌ، وأنتَ الحق.
يا محبوبَ العاشقين، ومُنى المنكسرين… اجعلني عبدَ حبٍّ لا عبدَ طمع، واجعل كلّ ذرةٍ فيَّ ساجدةً لك، ناطقةً باسمِك، مشتاقةً إلى لُقياك، ولا تحرمني من حُسنِ ظنّي بك، فإنّي فقيرٌ إلى رحمتِك،
فهل يَخيبُ عبدٌ ذليلٌ توسّلَ بمحبّته إليك؟
وهل يُطردُ من قال لك باكيًا: “أحبُّكَ يا الله”؟
يا مَن إذا استغفرَهُ العبدُ غفر، وإذا دعاهُ أجاب، وإذا سألهُ أعطى، وإذا لجأ إليهِ عبدٌ حزينٌ آوى،
يا من بيدِه مفاتيحُ الفرج، وأنوارُ الهُدى، وسكينةُ الأرواح… إليكَ رفعتُ يدي، وإيّاك دعوتُ، فأجبْ نداءَ عبدِك الذليل:
إلهي…
أقرُّ إليكَ بذنبي، واعترفُ بجُرمي، وأبكي على سهواتِ أيامي، أتوسّلُ إليكَ بوجعِ الندم، وبحرقةِ التوبة، وبخوفِ أن تُحجبني ذنوبي عن رحمتِك…
فاغفر، يا غفّار،
وارحم، يا رحيم،
وأجبْ، يا مجيبَ دعوةِ المضطرين…
ربِّ…
قلبِي ضاق، والصدرُ أثقلهُ الكدر، والروحُ تاهت بين ظلماتِ النفس، فأنِرْ لقلبي سُبُلَ النور،
وانشرْ في صدري نسائمَ السكينة، واجعلْ من وجهي وجهًا مقبولًا عندك، مختارًا في حضرتِك، مُصطفًى لودادِك.
يا ربّ…
أنا عبدُ الحوائجِ الكثيرة، وحاجتي إليك أعظمُ من كلِّ حاجة، فاقضِها لي كما يليقُ بجُودِك، لا بما أستحق، ويسِّر لي أمري كما يسّرتَ للأنبياءِ والصالحين، وأوزِعْ قلبي أن يشكرَ نِعمتك، ولا تجعل لي همًّا إلّا رضاك، ولا حاجةً إلّا القُرب منك، ولا شوقًا إلّا إلى وجهِك.
إلهي…
اجعلْ لي نورًا في قلبي، ونورًا في قبري، ونورًا في سمعي وبصري ولساني، واجعلْ كلَّ جارحةٍ منِّي منارةً إلى طاعتِك، وكلَّ خاطرٍ لي ذليلًا بينَ يديك.
اللهمّ…
إنِّي عبدٌ أحببتُ أن أكون لك، فاجعلني ممّن اخترتَهم، واجتبيتَهم، وأقمتَهم في حضرتِك، ولا تطردني عن بابِك وإن كثُرت ذنوبي، فما أحوجني إلى رحمتِك، وما أضعفني عن غيرك.
يا من اصطفى موسى عليه السلام، وأحبَّ سيدنا محمّداً صلى الله علي وسلم، وقرّبَ الحبيبَ،
اجعلني من المُحبّين المُقرّبين، واكتُب لي مقعدَ صدقٍ في ظلالِ ودادك، واجعلني من أهلِ الخشية، الذين إذا ذُكرتَ وجِلَتْ قلوبُهم، وإذا تُليتْ عليهم آياتُك زادتهم إيمانًا.
اللهمّ… اجعل هذه الليلةَ نهايةَ وجعي، وبدايةَ أنسك، اجعلها فجرًا جديدًا في قلبي، تُمحى فيه ذنوبي، وتُقضى فيه حاجتي، ويشرق فيه نورُ القبول، وتسكن فيه روحي بجوارِك، يا أكرمَ مَن سُئل، وأحبَّ مَن عُبد.
إلهي…
قد بسطنا بين يديكَ ذُلَّنـا، ونشرنا بين يدي رحمتِك فقرَنا، قد ناجيناكَ بألسنةِ الشوق، وقلوبٍ تنزفُ من وجعِ البُعد، دعوناكَ دعاءَ من لا يرى لنفسهِ حولًا ولا قوة، بل يرى أنَّ كلّ الحولِ لك، وكلَّ القوةِ منكَ، وكلَّ الأملِ فيك.
يا من تُحبُّ أن تُسأل، وتفرحُ برجوعِ العبد، يا من لا تخيبُ فيه الظنون، ولا يُردُّ فيه السؤال،
يا حبيبَ التائبين، وملاذَ الهائمين، ومُرادَ المشتاقين…
إنّا قد طرقنا بابَك، فأكرِمنا، وقد ناديناكَ، فأجِبنا، وقد بُحَّت أصواتُ أرواحِنا باسمِك، فأكرِم سُهادَنا ببردِ وصالِك.
يا مَن إليه يصعَدُ الكَلِمُ الطيّب، والعملُ الصالحُ يرفعه، إليكَ صعِدت كلماتُنا، فإن لم تكن طيّبةً بأعمالنا، فطيّبها بفضلِكَ، وإن لم ترفَعها أنفُسُنا، فارفعها برحمتِكَ، وإن لم نَكن أهلًا لإجابةِ الدعاء، فاجعلنا أهلًا بعظيمِ جودِك، فإنّك أهلُ الكرم، ونحن أهلُ الفقر.
اللهمّ…
لا تجعل هذا الدُّعاء آخرَ عهدِنا بك، ولا تجعل حُجُبَ الغفلةِ تُغلقُ بيننا وبينك، واكتب لنا في كلّ ليلةٍ وِصالًا، وفي كلّ سَجدةٍ قُربًا، وفي كلّ دمعَةٍ فتحًا، وفي كلّ نداءٍ إجابة.
يا الله…
باسمك الذي إذا دُعيتَ به أجبت، وإذا سُئلتَ به أعطيت، وإذا نُوديْتَ به أقبلت، نسألك أن تختمَ دعاءَنا برضاك، وسعينا بقبولِك، وأن تُذيق قلوبَنا بردَ الرّضا، ونورَ التجلّي، وسَكينةَ الأنس، وألا تكلَنا إلى سواك طرفةَ عين.
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيّدنا محمّد، الذي هو بابُكَ الأعظم، وسِرُّكَ الأتم، واجعلنا من أهلِ سرِّه، وفي مدَدِه، وعلى خُطاه، واكتُبنا في محبّتِه، وارزقنا شفاعتَه، وانفعنا بأنواره في الدنيا والآخرة.
آمين، آمين، آمين.

نُجدد محبتنا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم), لمعرفة المزيد من المقالات حول السيرة النبوية وقضايا التزكية والأخلاق، يمكنك زيارة موقع الشيخ خلدون.